هل صادفت مرة أثناء تصفحك للإنترنت كلمات مثل هذه: تبسيط الحياة، فن تبسيط الحياة، التقليلية، الحياة البسيطة، مينيماليزم، Minimalism؟ وهل استوقفتك هذه الكلمات وتريد أن تعرف ما المقصود بها؟
هذا هو ما سنتحدث عنه اليوم، بإختصار شديد جدا، الـ Minimalism هو أسلوب حياة يعتمد على البساطة عن طريق التخلص من كل مما لا تحتاجه (مادياً أو معنوياً).
إذا كيف بدأ الأمر؟
بعد نجاح الثورة الصناعية في أوروبا في النصف الأول من القرن التاسع عشر، بين (1820-1840م)، أصبحت الآلة جزء لا يتجزأ من حياة البشر، بل إن الأمر تجاوز ذلك، وتزايد إقبال أصحاب رأس المال والمصانع على استخدام الآلات المتطورة -حينها. ومع الوقت استُبدلت الأيدي العاملة بالآلات والماكينات مما كان له أكبر الأثر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. بالطبع هذا جعل الكثير يفقدون وظائفهم، ولكن على الجانب الآخر أصبحت هناك شركات أكثر، ومنافسة أكبر على تقديم منتجات ذات جودة أفضل، وتقنية أعلى، وأسعار أقل، وهذا جعل من الإنسان مجرد "حفنة من النقود تسير على قدمين" في نظر الشركات، شغلهم الشاغل هو تقديم المزيد، للحصول على المزيد.
وبعد أكثر من 100 عام ...
هناك المزيد والمزيد من الاختراعات يومياً، التكنولوجيا جعلت حياة الناس أسهل من ذي قبل، وباتت "الوسائل" التي يستخدمها الناس لتسهيل حياتهم، هي ذاتها هدفاً يلهثون وراؤه، في سباق لا ينتهي أبداً، كل هذا أدى إلى أن حياة الناس أصبحت أكثر تعقيداً.
الإتجاه المضاد ...
وكما جرت العادة دائما، إذا ما ظهر شئ، ظهر نقيضه على الفور، وبما أن الحياة أصبحت أكثر تعقيداً وتشابكاً، فظهر هناك تيّار مضاد، يحاول التخلص من التعقيد، ومن الركض خلف الماديات، وحاول أن يجعل الحياة أكثر سهولة وبساطة، هذا التيّار يسمى (التبسيط) أو (Minimalism)، والذين يتبنون هذا التيّار يطلقون على أنفسهم (Minimalists). وفي هذه المقالة والمقالات التي تليها، سنحاول توضيح إجابيات هذا الإتجاه وكيف أنه يجعل حياة الإنسان أكثر سهولة في ظل كل التعقيدات التي تفرضها علينا الحياة المعاصرة.
ما هو المينيماليزم (تبسيط الحياة)؟
ما المقصود بـ(Minimalism Life-Style)؟
المقصود بـ(مينيماليزم لايف-ستايل) هو "تبسيط الحياة"، هو أن تعيش حياتك بأغراض وممتلكات قليلة مما يساعدك أن تحيا بحرية أكبر، وهذا بدوره يعمل على التخلص من القلق، والتوتر، والإحباطات المتكررة، ومن الوقوع في فخ الثقافة الاستهلاكية.
كيف تحقق المينيماليزم؟
يتم ذلك بطريقتين:
التبسيط: يمكن توضيح هذه الطريقة بمثال بسيط: الهاتف الذكي (Smart-Phone)، فهو جهاز واحد فقط، لكنه يقوم بدور جهاز الراديو، والتلفزيون، والتيليفون، والكاميرا، وألبومات الصور، والمفكرة، والمنبه، والساعة. جهاز بحجم صغير جدا يقوم بكل هذا، وهذا يوّفر مساحة كبيرة جدا، وبعض المال أيضا.
التخلي: نستطيع هنا أن نشبه هذه الطريقة بـ"خزانة الملابس" التي تمتلئ بالكامل، يجب عليك أن تتخلى عن بعض الأغراض كي تضيف أشياء جديدة إلى الخزانة.
لماذا يتجه الناس للتبسيط (Minimalism)؟
يختلف الدافع من شخص لشخص آخر بالطبع، لكل إنسان أسباب خاصة، ومحفّزات مختلفة، تدفعه أن يبدأ في التفكير لجعل حياته أكثر سهولة وبساطة، لكن على وجه العموم يمكننا أن نبيّن 3 أسباب هي الأكثر انتشاراً بين (الأشخاص المبسطين):
الثقافة الاستهلاكية والرأسمالية
جزء كبير من الثقافة الاستهلاكية للمجتمعات، هو نتيجة للصراع بين الشركات والمنافسة الشرسة بينهم للحصول على أكبر حصة في السوق، فتجد أن الشركات تتنافس على خلق الإحتياج بداخل الإنسان لشراء منتجاتهم، لما توفره هذه المنتجات من رفاهية وقيمة أكبر، وأصبح التسويق لهذا موجوداً في كل دول العالم، وتنفق الشركات جزءاً كبيراً من ميزانيتها للدعاية والإعلان. وأصبحت بعض الإعلانات توّجه رسائل يكون مضمونها التميّز والتفوّق والإنفرادية في حالة شراء هذا المنتج أو ذاك. وللأسف فإن جزءاً كبيراً من المجتمع يسقط -بدون وعي- في هذا الفخ، فتجد الكثير لا يشغله إلا اتباع الموضة والجديد في الملابس، .والتكنولوجيا، وكل السلع الاستهلاكية الأخرى.
لا توجد مشكلة في أن تتمنى أن تحيا حياة كريمة، بل يفترض أن تسعى لذلك بكل ما أوتيت من قوة. لكن ما يحدث مع أغلب البشر -للأسف- هو أن يصبح هدفهم امتلاك المزيد والمزيد من الأشياء، والأغراض التي تجعل صورتهم أمام المجتمع تظهر بشكل أفضل، وهذا يجعل الأشياء هي ما تتملك الإنسان وتسيطر عليه بالفعل، ويتحول الإنسان إلى ماكينة صرّاف آلي، لا شغل له إلا جمع المزيد من الأموال، من أجل أن يشتري ويمتلك أكثر.
التبسيط سيساعدك أن لا تسقط فريسة للمنافسة بين الشركات والرأسمالية، وسيساعدك على التركيز أن تكون سعيدا بما تملك، وأن تسعى لامتلاك الأشياء التي تحتاجها أنت وأسرتك بالفعل، لا الأشياء التي يفرضها عليك الآخرون والمجتمع من حولك.
كثرة الامتلاك تفقد القيمة
يوجد مبدأ شهير في الاقتصاد يسمى: العرض والطلب. وهذا يعني أنه كل ما زاد الإنتاج وتوفرت السلعة بشكل أكثر، تقل قيمتها، والعكس صحيح، كل ما نقص الإنتاج وأصبحت السلعة نادرة، تزيد قيمتها.
إذا افترضنا أن شخصاً ما يمتلك 100 جنيه، بالتأكيد سيكون سعيدا إذا ربح 1000 جنيه، أما لو كان هناك شخص آخر يمتلك (مليون) جنيه، فقد لا يهتم في حالة ربحه لـ1000 جنيه، وهذا طبيعي لأنه يمتلك الكثير من (1000 جنيه).
وقد كان المثال السابق لتوضيح المبدأ الاقتصادي، وليس المقصود هنا الاستسلام للفقر، وعدم السعي تجاه الحياة الكريمة، ما نريد توضحيه ونؤكد عليه باستمرار: اسعى لامتلاك ما هو مهم بالنسبة لك فعلا، مادياً ومعنوياً.
“ اسعى لامتلاك ما هو مهم بالنسبة لك فعلا، مادياً ومعنوياً. ”
سهولة الحياة بعد المينيماليزم
نستطيع توضيح هذا عن طريق مثال بسيط: تربية الأطفال، تربية طفل صغير أكثر سهولة من تربية طفلين، أو 3 أطفال في نفس المرحلة العمرية.
امتلاكك لأثاث أقل في منزلك، أو غرفتك أو مكان عملك يعطيك حرية أكبر، ومساحة أوسع، واختيارات أكثر عند إعادة ترتيبك لهذه الأماكن.
هل امتلاك المادة سئ بالفعل؟
كما أوضحنا من قبل، لا توجد أي مشكلة في امتلاك المادة، لكن المشكلة في عصرنا هذا هي في القيمة المبالغ فيها للمادة وحب الامتلاك، إذا تمكن منك حب الامتلاك فإنك ستقضي حياتك ساعيا للحصول على المزيد، لن يبقى لديك وقت كافي للأشياء الأكثر أهمية، أن تهتم بصحتك وبعلاقاتك في المجتمع من حولك، لن يتبقى لك وقت تمارس فيه هواياتك أو تقوم بعمل الأشياء التي تحبها، ستبدأ -تدريجياً- بقياس كل شئ بمنظور المادة والمال، وهذا بالتأكيد لن يجعلك سعيدا، لأنها مهما امتلكت من المال والأشياء، فإنك لن تستطيع امتلاك كل ما تريده في هذه الدنيا، وبالتأكيد هذا سينغص عليك حياتك.
أثناء بحثي عن التبسيط والمينيماليزم على "الإنترنت"، صادفني موقع أجنبي متخصص في المينياليزم، وفي مقالة من المقالات التي على الموقع، تحدثوا عن الشباب الذين قاموا بتأسيس الـ"الويب سايت" وبالتأكيد فإن جميعهم "مينيماليست"، شخص منهم متزوج وعنده 6 أطفال، وآخر يمتلك بيت من دورين ولديه سيارة، وواحد منهم لديه قائمة فيها 51 شئ فقط يمتلكها في حياته، وواحدة من المؤسسين متزوجة وتعيش مع زوجها في شقة بالإيجار ولا يمتلكون سيارة. هؤلاء جميعهم مينيماليست، لكن كل شخص يطبق المينيماليزم والتبسيط بالطريقة اللي تناسب حياته وتلائم ظروفه.
يمكنك الاطلاع على المزيد من خلال هذا الموقع: www.theminimalists.com
